تقرير صحافي عن ديراستيا
نشر في صحيفة الرياض اليومية السعودية يوم الجمعة 01 ذو القعدة 1423
(الضفة الغربية) - تريسي ويلكنسون
توقف البناء في البيت الذي يقوم سعيد زيدان بتشييده لايواء عائلته المكونة من أربعة أطفال وأمهم منتصف الطريق.. لا عمل.. ولا مال فمن أين لزيدان اكمال البناء؟.
ويلجأ نظمي أبو علي إلى اشعال النار في لحاء الشجر داخل علبة صفيح لتدفئة الغرفة التي يمضي فيها صغيرانه نهارهما وليلهما.
وهنا تضمحل قرى ومدن الضفة الغربية الصغيرة ببطء.. بعد عامين من الحصار وحظر التجوال الذي تفرضه قوات العدو الإسرائيلي عانى كل شيء في هذه القرى والمدن من الركود من الاقتصاد إلى الزراعة إلى التعليم ولم تسلم من قسوة الظروف والحصار حتى صحة مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال.
هذه الأرض التي كات تستعد لاستقبال الدولة الفلسطينية الجديدة تشكو اليوم من الفقر والدمار.. يلقي الإسرائيليون باللائمة على الفلسطينيين يرون أنهم هم أي الفلسطينيين السبب في الوضع الذي يصطلون بناره في الوقت الراهن.. وقد عمد هذا الجيش الإسرائيلي إلى إعادة احتلال قرى ومدن الضفة الغربية وأجزاء من قطاع غزة في إطار حملته لوقف العمليات الاستشهادية والقضاء على عناصرها من الفلسطينيين.
هنالك كثير من اللوم يتبادله الطرفان ولكن الشيء المؤكد ان الفلسطينيين يواجهون تدهور سيطول أمده لمجتمع كانوا يحلمون ببنائه فوق ترابهم الوطني اما رؤيتهم للاستقلال والسيادة فقد أصبحت سراباً.. في العام المقبل على إسرائيل أن تختار بين القيام بواجبها تجاه إعادة الخدمات الضرورية للأراضي التي أعادت احتلالها وبين تعرضها للوم لكونها المتسبب في وقوع كارثة إنسانية بشعة في هذه الأراضي.
وفي أماكن أخرى مثل رام الله أو نابلس كان حجم الضرر والدمار أكبر والوفيات أعلى.. ولكن هنا في عشرات القرى الصغيرة التي سوف تشكل العمود الفقري لفلسطين المستقبل فإن التآكل قد طال كل شيء ولم يسلم منه شيء.
فهنا في ديراستيا من الصعب أن تجد شخصاً بالغاً له عمل أو وظيفة.. وكان نتيجة ذلك ان اختفت من قاموس تعامل سكانها اليومي عبارات البيع والشراء وحلت مكانها عبارات المقايضة فكأنما عدنا للعصور الأولى للإنسان.. يعاني المستوصف الوحيد في البلدة من زحمة المراجعين ويفتقر لأبسط المعدات والدواء.. في بعض الأحيان لا يجد الأطفال ما يأكلونه وقد ظهرت عليهم أعراض سوء التغذية.
باختصار وجد سكان القرية الذين يبلغ تعدادهم الأربعة آلاف أو يزيد عن ذلك بقليل انهم يعيشون في سجن كبير بلا أسوار.. مدخل البلدة مغلق بثلاث صخور يعلوها لون الصدأ وضعها الجيش الإسرائيلي الأمر الذي دفع السكان إلى القيام بفتح ممرات موحلة عبر بيارات الزيتون القريبة حتى يتمكنوا من الوصول إلى القرى الأخرى في الجوار من أجل الدراسة أو تأمين احتياجاتهم ولكن الجيش سرعان ما يبادر إلى إغلاق هذه الممرات عند اكتشافها وهكذا تمضي الحكاية ممر جديد وممر مغلق.
ثلاثة أجيال من سكان ديراسيتا يتسكعون في شوارع القرية ويقضون سحابة النهار في الجلوس بدون عمل.. كبار السن من الذكور يرتاحون على كراسي بلاستيك على جانب الطريق في مواجهة طريق مقفر تلوح في نهايته صفوف من أشجار الزيتون بلونها الفضي يدخنون النارجيلة يخوضون في حديث السياسة ويحصون قتلى المصادمات الأخيرة ضد القوات الإسرائيلية.
وعندما حلقت مروحيات مسلحة فوق الرؤوس قال أحد الرجال الجالسين - 65عاماً - "أميركا تقدم الطحين بيد لتطعمنا لكنها تزود إسرائيل باليد الأخرى بالسلاح لتقتلنا".
خلال زيارة للمستوصف الوحيد بالقرية ذكر الطبيب المشرف عليه ياسر قاصين - 29عاماً - بأنه يقوم بفحص 80مراجعاً في المتوسط خلال اليومين الذين يعمل فيهما المستوصف مشيراً إلى زيادة ملحوظة في عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم والأمراض المعوية والتي يعزيها للضغوط وسوء التغذية التي يعانون منها.
وقال قاصين بأنه لاحظ بصورة خاصة زيادة في حالات الاجهاض وسط الأمهات وكذلك زيادة طفيفة في حالات النوبات القلبية مع انخفاض في أوزان المواليد واصابتهم بفقر الدم منذ الولادة.
أضاف قاصين بأن عدد الموليد لم يتجاوز السبعة والثمانين العام الماضي ولكن هذا الرقم انخفض إلى سبعة وخمسين مولوداً هذا العام وكانت جميع الولادات بالمنزل لأن الآباء يجدون صعوبة في أخذ زوجاتهم للمستشفيات للولادة هناك في ظل الحصار القائم والحواجز التي أقامها الجيش الإسرائيلي على كل طريق وعند كل مفرق للطرق.
أظهر مسح قامت به كليات الطب والصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز بتمويل من وكالة التنمية الدولية الأميركية في الصيف الماضي ان واحد من بين كل خمسة أطفال فلسطينيين دون سن الخامسة يعاني من سوء التغذية.. قبل عام 2000م كان الفلسطينيون يتمتعون بأعلى مستوى معيشة وتعليم في العالم العربي عدا منطقة الخليج.
وقال المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين بيتر هانسن في النداء الذي وجهه هذا الشهر للتبرع للاجئين بأن الانهيار الذي يتعرض له المجتمع الفلسطيني يحدث بسرعة ولابد من ايجاد برنامج طوارئ للحيلول دون الانهيار الكامل لهذا المجتمع.
ويقول مسؤولو الجيش الإسرائيلي بأنهم يعطون أولوية لتسليم الغذاء والدواء في القرى والمدن المغلقة وينفون قيامهم بتعطيل وصول الرعاية الطبية أو غيرها من المساعدات.
وقال الأطباء الإسرائيليون المتعاونون مع منظمات حقوق الإنسان - بعد دراسة أجروها في الضفة الغربية - بأن عدد الأطفال الذين يولدون أمواتاً قد تضاعف خمس مرات في المناطق الريفية الفلسطينية وأن برامج التحصين قد تكاد أن تكون متوقفة.
ووفقاً للدراسات التي أجراها البنك الدولي فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر وهو المحدد بدولارين في اليوم وان البطالة قد شملت أكثر من نصف السكان وان الصناعة الفلسطينية على وشك الانهيار التام.. ويخسر الاقتصاد الفلسطيني , 76ملايين دولار يومياً من جراء الحصار.
ويقول توماس نيو مدير منظمة غوث اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وهي منظمة ذات تمويل أميركي بأن الدمار المادي الذي أحدثته الدبابات والقصف الإسرائيلي هو في حقيقة الأمر قمة جبل جليدي طاف.
(خدمة لوس أنجلوس تايمز)