| ||||
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]تذكرت لوحة الصرخة الشهيرة للرسام النرويجي "إدوارد مونش" وأنا أقرأ عرضاً لكتاب، لأنه يمثل هو الآخر صرخة جاءت هذه المرة من الشاطئ الآخر للأطلسي أو من الإمبراطورية التي تتزعم قيادة الغرب وقيمه. صدر كتاب بعنوان "موت الغرب "لباتريك بوكانان قبل عام ويمثل اسم الكتاب طُعماً شهياً لاصطياد القراء، ولو عرف القراء العرب من هو مؤلف الكتاب لازدادت رغبتهم في الاطلاع عليه، فالكاتب هو مرشح سابق لرئاسة الولايات المتحدة في سنتي 1992 و 1996، وخصم لدود للمحافظين الجدد وصقور البيت الأبيض. والكتاب كبير فهو يقع في 308 صفحات من الحجم المتوسط، ويتحدث عن إرهاصات كثيرة تنذر بفناء الغرب منها اندثار مفهوم العائلة كصمام أمان للمجتمع، وعزوف الأجيال الجديدة عن الزواج، وشيوع الانحلال والإباحية، يقابل ذلك صعود نجم العالم الإسلامي بتمسك أجياله الجديدة بدينهم وحملهم رسالته رغم لوثات التأثر السطحي بالغرب، ورصد الكاتب أيضا الغزو السلمي للعالم الإسلامي للغرب والمتمثل في موجات المهاجرين المتمسكين بخصوصيتهم الدينية والثقافية والرافضين لمحاولات الإدماج والتذويب. ورغم اعتبار باتريك أن أكبر خطرين يتهددان الغرب هما: انخفاض معدلات المواليد وموجات الهجرة القادمة من العالم الثالث خصوصاً العرب والمسلمين، فإني سأعرض للنقطة الأولى التي يعتبرها الكاتب ثمرة مرّة لعبادة الغرب لآلهة جديدة هي "الإباحية"، هذه العبودية التي ستكلف الغرب حياته. إنها الإلهة التي تأمرهم بإزالة أي معوق أمام تحقيق المتعة وإشباع الرغبات، إذاً فلا مانع من تحطيم مؤسسة الزواج كحاضن صحي للأطفال، ولا جُرم في ممارسة الإجهاض للتخلص مما يعيق سُعار الشهوات. وللحصول على اللذة القصوى فإن الجمهور العريض من جيل الشباب الغربي لا يقبل بأي سقف ولو كان السماء ولا يمانع في تتبع لذاته البدائية من الانحدار إلى أسفل سافلين ومن طلب اللذة في المثلية وفي مطارحتها مع البهائم. يقول بوكانان: إن شيوع العلاقات الجنسية ـ خارج مؤسسة الزواج ـ وشيوع المثلية الجنسية ساهمت في انتشار كثير من الأمراض التناسلية والاجتماعية وظهور الحاجة الملحة لمستشفيات وعيادات اختصاصية مكلفة تتفرغ لعلاج هذه الأمراض وكذلك ظهرت فكرة الإجهاض وحبوب منع الحمل التي أصبحت في متناول الطلبة والطالبات في سن المراهقة. ولا بأس إذا وقع المحظور (الحمل) فإن أقرب عيادة للإجهاض في الحي من الممكن أن تحل الإشكال، لقد أجري في الولايات المتحدة منذ 1965 حتى الآن أربعين مليون عملية إجهاض منذ أن حكمت المحكمة بأن الإجهاض (حق دستوري للمرأة). ولم ينس الكاتب أن يشير إلى الدور الأصلي الذي يلعبه الإعلام الغربي وفنونه في إحداث موجات الإباحية العاتية التي أطاحت في المحصلة النهائية بمؤسسة العائلة. وينتقل الكاتب لإطار نظري آخر لا يقل خطورة عن الأول ويتمثل في الحركة النسائية الأمريكية المتطرفة فهو يراها من العوامل التي أدت إلى إضعاف وبلبلة المجتمع لأنها نظرّت لدور جديد للمرأة يخالف فطرتها السوّية فقد عملت على تهميش رسالة المرأة الأصلية داخل البيت ومن خلال مؤسسة الزواج والإنجاب. وإبراز وتزيين دورها الواعد خارج العائلة في مجالات عالم الأعمال والصناعة والبحث العلمي، والعمل السياسي والنقابي. مما أثّر بلا شك تأثيراً بالغاً على الوضع العائلي التقليدي في الولايات المتحدة وأدى لضمور العائلة كمؤسسة اجتماعية تتكامل في حضانتها تربية الجيل تربية سوية ناضجة، فانتشرت بسبب ذلك الجريمة والانحراف وغير ذلك في المجتمع. يستعرض بوكانان بعض أدبيات الحركة النسائية الأمريكية ويشير إلى ما كتبته "غلوريا شتاينم" وكتابتها تنم عن تطرف بالغ إذ تقول: "إن فكرة الزواج لا تختلف عن فكرة البغاء والفرق فقط هو أن المرأة تتحول في حال زواجها برجل إلى بغي له طوال فترة زواجها منه". ويعزز ما ذهب إليه بدعوة "شيلا كرونن" إلى الشيوعية الجنسية بقولها: "إن حرية المرأة لا يمكن أن تتحقق في شكل كامل وصحيح إلا إذا ألغينا تماما فكرة الزواج ومنحنا المرأة والرجل حق الشيوعية الجنسية". وثالثة الأثافي هي "فاليري سولانيس" التي أسست جمعية "الاستغناء عن الرجل"، كتطبيق لنظريتها القائلة بأن الرجل خطأ بيولوجي يجب على المرأة أن تصححه. وزعمت أن المرأة تستطيع من الناحية (الفنية) الاستغناء عن الرجل في الإشباع الجنسي وحتى في إنجاب الأطفال أقصد البنات إذ لا داعي لتكرار الخطأ البيولوجي بإنجاب الذكور!!! يتحدث بوكانان بتوسع عن الانحرافات الشاذة التي باتت في عُرف المجتمع الأمريكي أمراً طبيعيا فيقول: إن المثلية الجنسية والسحاقية بين النساء والزنا باتت أموراً مألوفة وعادية وجزءا من الحياة اليومية الأمريكية. وصـارت لهذه الفئات الشاذة مقرات وجمعيات ونشرات وكراسات تدعو الجمهور الأمريكي للتطبع بهذه السلوكيات وقبولها دون تحفظ تحت مظلة حرية الرأي والتعبير. وصارت هذه الفئات كالأحزاب تطبع كتبا ومجلات وأشرطة وبطاقات عضويـة. ووصل تأثير هذه الجمعيات إلى الإدارة الأمريكية فقد عيّن البيت الأبيض ملحقاً وجهازاً وظيفياً خاصاً لاسترضاء هذه الفئات التي تتنامى ويعظم تأثيرها ويتجهم الرأي العام والإعلام لمن يعترض عليها ويرى فيها انحرافاً وشذوذاً. ويشير الكاتب للزخم الذي وجدته هذه الجمعيات بمجيء كلينتون وهيلاري السيدة الأولى – سابقاً - إلى البيت الأبيض إذ كانا حريصين على مشاركة هذه الفئات في مسيراتها ومظاهراتها واحتفالاتها. وصار من حق هذه الفئات الانضمام للجيش والعمل في سلك القضاء وأصبح بعضهم سفراء للولايات المتحدة. يقول بوكانان: إن الإباحية المتفشية في المجتمع فجرت المطبوعات والأفلام التي لا تكتفي بمخاطبة الغريزة بل تهبط بها إلى أسفل سافلين. وساهم انتشار صورة المرأة المتعرية إلى هبوط احترام المرأة ككيان إنساني وبالتالي تآكل احترام المرأة لقيمتها وذاتها وصار هؤلاء الرجال الذين يكثرون الحديث عن حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية هم أكثر من يعبث بالنساء وفي النهاية يلقون بهن على قارعة الطريق. لكن العجيب حقاً أن الكاتب يقترح ضمن وصفته للعلاج مراجعة النظام التعليمي في الولايات المتحدة على ضوء تفوق الثقافة الأمريكية ودونية الثقافات العالمية الأخرى!! ولا أدري ما علاقة هذه النتيجة بمقدمات الكتاب ومعطياته السابقة. فبعد اعتراف "بوكانان" بانهيار النظام القيمي الأمريكي يفاجئنا بعنصرية في تفكيره. ولا أدري كيف يكون العلاج في العلة ذاتها؟! فالغطرسة الأمريكية هي التي أفرزت كل تلك الأعشاب الشيطانية التي لا يصلح لها إلا الاجتثاث.
ومع تلك الكبوة الكبيرة للكاتب التي تجعل القارئ يشعر بعدم الاتساق في كتابه مما يذكرني إلى حدٍ ما بوقوفك أمام عملاق لكنه لا يستطيع النهوض لأن قدماه مشلولتان لا تقويان على حمله. أو أنه وعي سرعان ما تلاشى كضوء أحدثه إشعال عود ثقاب أطفأته رياح الهوى والتعصب. إلا أنني سأوقف الصورة عند تلك الصرخة وأسجلها هنا كشهادة من عمق رصيد الفطرة التي فطر الله الناس عليها أدلى بها سياسي غربي كاد أن يصل لقمة الهرم. وأعود مجدداً لصرخة "مونش" في لوحته لأجد وجهين للشبه بين الصرختين فصرخة "مونش" رمز لقلق الإنسان الغربي من القادم اتخذ صورة هلع تركّز في وجه فرد – فرد فقط -، صرخة من طامة وطوفان أحمر كبير آتٍ من السماء، وصرخة "باتريك بوكانان" واضحة من عنوان كتابه الذي ينذر فيه الغرب بموت يتشح باللون الأحمر كونه يتعلق بالارتكاس الفطري من جهة وبالانحلال الأخلاقي من جهة أخرى. ووجه الشبه الثاني بين الصرختين أن صاحب الصرخة في لوحة "مونش" - والذي يغلب على الظن أنه هو الرسام نفسه - يصرخ وحيداً محذراً ومن خلفه أشخاص يتابعون حياتهم دون أن يعبأوا الطوفان الأحمر الوشيك والمطبق عليهم من السماء، ودون أن يسمعوا صرخته. وباتريك في كتابه يصرخ وسط سكارى يرقصون في صخب فتضيع صرخاته وتندثر أصداؤها. معتز الجعبري صحفي وكاتب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] |
2 مشترك
بين صرختين ..... موت الغرب
نضال القاضي- إشراف عام
عدد الرسائل : 928
الفخذ أو العائلة بالنسبة لبلدة ديراستيا : القاضي
علم الدولة :
تاريخ التسجيل : 08/04/2008
- مساهمة رقم 1
بين صرختين ..... موت الغرب
الإدارة- Admin
عدد الرسائل : 840
الفخذ أو العائلة بالنسبة لبلدة ديراستيا : أبـــــو زيــــــــــد
الأوسمة :
علم الدولة :
تاريخ التسجيل : 11/02/2008
- مساهمة رقم 2
رد: بين صرختين ..... موت الغرب
شكرا اخوي على المشاركة الجميلة...تحياتي فرج أبوزيد وتقبلوا اعتذاري بسبب الانقطاع عنكم بسبب الجامعة....الإدارة